في الذاكرة الجماعية، يُنظر إلى والت ديزني كرمزٍ للنجاح والإبداع وصناعة الترفيه العالمية، لكن خلف هذا الاسم اللامع تختبئ قصة طويلة من الفشل، والخسارة، والانكسارات النفسية والمالية، لم يكن طريق ديزني مفروشًا بالورود، بل كان مليئًا بالعقبات التي كادت أن تُنهي مسيرته أكثر من مرة، ومع ذلك، تحولت هذه الإخفاقات نفسها إلى الوقود الذي صنع واحدة من أعظم الإمبراطوريات الترفيهية في التاريخ.
طفولة قاسية وبدايات غير مستقرة
وُلد والت ديزني عام 1901 في شيكاغو، ونشأ في ولاية ميزوري داخل أسرة تعاني من الفقر والتوتر، كان والده شخصية صارمة ومسيطرة، ويُقال إنه كان قاسيًا في تعامله مع أبنائه، ما دفع إخوة والت الأكبر سنًا إلى الهروب من المنزل واحدًا تلو الآخر، في هذا الجو المشحون، وجد والت ملاذه الوحيد في الرسم، حيث أصبحت الرسومات وسيلته للهروب من الواقع الصعب.
ولم ينتظر ديزني طويلًا ليهرب بدوره؛ إذ كذب بشأن عمره لينضم إلى الجيش خلال الحرب العالمية الأولى ويعمل سائق إسعاف. هذه التجربة المبكرة شكّلت شخصيته، لكنها تركت أيضًا آثارًا نفسية عميقة رافقته لاحقًا في حياته المهنية.

Walt Disney
أول فشل حقيقي: إفلاس أول استوديو
بعد عودته من الحرب، بدأ ديزني العمل متدربًا في أحد استوديوهات الرسوم المتحركة في كانساس سيتي. وبطموح كبير، أسس مع شقيقه روي أول مشروع لهما تحت اسم Laugh-O-Gram Studios عام 1920. ورغم الأفكار الإبداعية، فشل الاستوديو فشلًا ذريعًا بسبب سوء الإدارة المالية وقلة الموارد، ليعلن إفلاسه بعد سنوات قليلة، تاركًا والت ديزني مفلسًا تمامًا.
الهجرة إلى هوليوود… وفشل جديد
بعد انهيار مشروعه الأول، غادر ديزني كانساس سيتي متجهًا إلى لوس أنجلوس، ولا يملك سوى 40 دولارًا. حاول دخول عالم التمثيل، لكنه فشل مرة أخرى. إلا أن هذا الفشل قاده لاكتشاف فرصة جديدة؛ إذ لاحظ قلة استوديوهات الرسوم المتحركة في كاليفورنيا، فقرر البدء من جديد مع شقيقه روي.
خسارة “أوزوالد” وسرقة الحلم
حقق ديزني أول نجاح حقيقي له من خلال شخصية أوزوالد الأرنب المحظوظ، التي لاقت رواجًا واسعًا. لكن النجاح لم يدم طويلًا؛ فعند محاولته إعادة التفاوض على عقده في نيويورك، اكتشف أن الشركة المنتجة استولت على الشخصية وسرقت فريقه بالكامل، ولم يعد يمتلك أي حقوق قانونية في ابتكاره.
كانت هذه الضربة قاسية، وربما كفيلة بإنهاء مسيرة أي شخص آخر. لكن ديزني، بدلًا من الدخول في صراعات قانونية، قرر البدء من الصفر مرة أخرى. وخلال رحلة القطار عائدًا إلى كاليفورنيا، وُلدت فكرة ميكي ماوس.
ميكي ماوس… النجاح بعد 300 رفض
رغم أن ميكي ماوس أصبح لاحقًا أشهر شخصية كرتونية في العالم، إلا أن الطريق لم يكن سهلًا. رُفضت الفكرة أكثر من 300 مرة من قِبل المستثمرين والبنوك. عاش ديزني سنوات من الضيق المالي، وكان يعمل بلا توقف، ما أدى في النهاية إلى تعرضه لانهيار عصبي نتيجة الضغط الشديد وسرقة أحد أهم رسامي الرسوم المتحركة لديه.
بعد فترة نقاهة مع زوجته، عاد ديزني بفكرة جريئة لم يسبقه إليها أحد: إنتاج فيلم رسوم متحركة طويل.
نجاحات متقطعة وإخفاقات مكلفة
حقق فيلم سنو وايت والأقزام السبعة (1937) نجاحًا ساحقًا، لكنه لم يُنهِ معاناة ديزني. فالأفلام التي تلت ذلك مثل بينوكيو وفانتازيا وبامبي كانت إخفاقات تجارية في وقتها، وتسببت في خسائر مالية ضخمة.
ثم جاءت ضربة جديدة خلال الحرب العالمية الثانية، عندما أضرب رسامو ديزني عن العمل، ما زاد ديونه لتتجاوز 4 ملايين دولار، وهو رقم ضخم في ذلك الوقت.
رهان التلفزيون والمقامرة الكبرى
بعد الحرب، أدرك ديزني أن الاعتماد على السينما وحدها لم يعد كافيًا، فاتجه إلى التلفزيون رغم معارضة استوديوهات هوليوود. وبفضل برامج مثل The Mickey Mouse Club وDavy Crockett، تمكن من جمع رأس المال لتحقيق حلمه الأكبر: ديزني لاند.
“الأحد الأسود” في افتتاح ديزني لاند
في 17 يوليو 1955، افتُتحت ديزني لاند وسط فوضى عارمة:
تذاكر مزورة، طوابير بطول سبعة أميال، درجات حرارة مرتفعة، تعطل الألعاب، وانصهار الإسفلت تحت أحذية الزوار. أطلقت الصحافة على ذلك اليوم لقب “الأحد الأسود”، واعتُبر المشروع فشلًا ذريعًا في بدايته.
لكن كعادته، لم يستسلم ديزني. أصلح الأخطاء، وطور الحديقة، لتتحول لاحقًا إلى واحدة من أنجح المشاريع الترفيهية في العالم، وتسهم في سداد ديونه وبناء إمبراطوريته العالمية.

والت ديزني
الدرس من قصة فشل والت ديزني
قصة والت ديزني ليست قصة نجاح سريع، بل ملحمة من الفشل المتكرر، والخسارة، والخذلان. لكنه كان يرى في الفشل معلّمًا لا عدوًا، وقد عبّر عن ذلك بقوله الشهير:
“كل ما مررت به من مصاعب وعقبات قد قوّاني… فالضربة المؤلمة قد تكون أفضل ما يحدث لك.”
تُثبت حياة ديزني أن الفشل ليس نهاية الطريق، بل قد يكون بدايته الحقيقية. فبالإصرار، والمرونة، والتعلم من الأخطاء، يمكن حتى لأقسى البدايات أن تقود إلى أعظم النجاحات.
شاهد أيضاً:
إدمان الألعاب الإلكترونية .. أرق في كل بيت
أشهر شركات صناعة الألعاب الإلكترونية
أكثر 10 قنوات يوتيوب شعبية في 2025: من يتصدر المشهد؟
