عاش رئيس المكتب السياسي لحركة “حماس”، إسماعيل هنية، حياة تتناقض تمامًا مع حياة أهالي غزة، خاصة بعد هجوم السابع من أكتوبر 2023، منذ نقله مقر إقامته من غزة إلى العاصمة القطرية الدوحة في عام 2016، أصبح هنية يعيش في ظل ظروف تختلف كثيرًا عن تلك التي يعيشها أبناء شعبه.
في الدوحة، حيث يوجد المكتب السياسي لحركة “حماس” منذ خروجها من سوريا في 2012، كان هنية يعيش حياة مترفة بعيدًا عن الصعوبات التي يعاني منها سكان غزة. أثارت إقامته وقادة “حماس” في قطر وتركيا جدلًا كبيرًا، إذ وصفت وسائل الإعلام نمط حياتهم بالباذخ، حيث يتنقلون بين الفنادق الفخمة مثل “فور سيزونز” ويستخدمون السيارات الفارهة، وحتى الطائرات الخاصة في بعض الأحيان.
في أكتوبر 2023، دعا عضو مجلس النواب الأمريكي مايك والتز الملياردير بيل غيتس إلى التدخل ومنع قادة “حماس” من الإقامة في سلسلة الفنادق التي يمتلك غيتس حصة منها. كانت هذه الدعوة على خلفية إقامة أنشطة واستقبالات للمكتب السياسي لـ”حماس” في فندق “فور سيزونز” بالدوحة، منها مؤتمر صحفي لخالد مشعل في 2015 وحفل استقبال لرئيس الوزراء التركي السابق أحمد داوود أوغلو في 2016. رغم تأكيد مجموعة “فور سيزونز” في بيان بتاريخ 15 أكتوبر 2023 أن هنية لا يقيم في فندقهم بالدوحة، إلا أن البيان لم ينفِ إقامته السابقة هناك.
تزعم وزارة الخارجية الإسرائيلية أن ثروة إسماعيل هنية الشخصية تقدر بمليارات الدولارات. ووفقًا للمعلومات المتاحة، فإن ثروة قادة “حماس” الكبار، بمن فيهم هنية، تصل إلى 11 مليار دولار. رغم عدم وجود دليل قاطع على صحة هذه الأرقام، إلا أن مواقع مثل “ذا تايمز” و”نيويورك بوست” قدرت ثروة هنية بأربعة مليارات دولار.
بغض النظر عن صحة هذه المعلومات، كان هنية يدير مع قيادات “حماس” شبكة مالية ضخمة تغذيها عقارات الحركة واستثماراتها في دول متعددة وشبكات التهريب في السوق السوداء. وتشير التقارير إلى أن “حماس” مولت بملايين الدولارات قوة مسلحة مكونة من آلاف الأفراد، مزودة بالصواريخ والطائرات المسيّرة، وبنت شبكة واسعة من الأنفاق تحت غزة. تُقدر الميزانية العسكرية السنوية للحركة بين 100 و350 مليون دولار. يدافع ممثلو “حماس” عن هذه العمليات، مؤكدين فصل التمويل المخصص لإدارة غزة عن تمويل جناحها العسكري، المعروف باسم “كتائب القسام”.
ذكرت تقارير أن أبناء هنية يسيطرون على سوق العقارات في غزة. يُعرف نجله معاذ بلقب “أبو العقارات” لامتلاكه فللاً وبنايات كثيرة في القطاع، ويعيش حاليًا في تركيا ويحمل جوازها منذ العام الماضي.
منذ سيطرة “حماس” على السلطة في غزة قبل 17 عامًا، ملأت خزائنها بمئات ملايين الدولارات من المساعدات الدولية وأموال الدول الداعمة مثل إيران. كما جمعت الحركة أموالًا عبر الضرائب والعملات المشفرة والتهريب والابتزاز. بحسب “أن بي سي”، فإن جزءًا من هذه الأموال قانوني ومعلن، مثل المساعدات التي قدمتها قطر عبر الأمم المتحدة لتغطية رواتب موظفي الخدمة المدنية ونفقات الوقود اللازم لتوليد الكهرباء ودعم الأسر المحتاجة.
على الجانب الآخر، تعتمد “حماس” على مصادر دخل أقل قانونية، مثل الرسوم غير الرسمية التي تفرضها على البضائع المهربة. يُقدر الباحث ماثيو ليفيت، الذي عمل في وزارة الخزانة الأمريكية متخصصًا في مكافحة الشبكات المالية الإرهابية، أن “حماس” تجمع ما بين 300 مليون و450 مليون دولار سنويًا من خلال هذه الأنشطة. تستخدم الحركة العملات المشفرة لإخفاء بعض تعاملاتها التجارية، ويأتي جزء صغير من ميزانيتها من أموال التهريب في أمريكا الجنوبية وتهريب المخدرات.
تعتبر إيران داعمًا رئيسيًا للحركة منذ التسعينيات، وزاد دعمها المالي تدريجيًا ليصل إلى نحو 100 مليون دولار سنويًا. اعترف قادة “حماس” علنًا بالدعم المالي والعسكري من طهران، إذ قال هنية في 2022 إن إيران دعمت خطط الحركة الدفاعية بـ70 مليون دولار.
تدير “حماس” استثمارات دولية تُقدر بأكثر من 500 مليون دولار وربما تصل إلى مليار دولار، فتملك عقارات وأصولًا في تركيا ودول عربية، وفقًا لتقديرات المسؤولين الأمريكيين. ووفقًا لمنظمة “مشروع مكافحة التطرف”، فإن “حماس” لجأت إلى العملات المشفرة لتفادي العقوبات المالية الدولية.
تواجه “حماس” وقياداتها عقوبات أمريكية منذ 1995، إلا أن الحركة كثيرًا ما جمعت الأموال وتجاوزت هذه القيود بطرق مختلفة. يُشير منتقدو “حماس” إلى أسلوب الحياة الفخم الذي يعيشه قادتها مثل إسماعيل هنية، مقارنة بأوضاع سكان قطاع غزة الذين يعانون من البطالة والفقر.
تُشير التقارير إلى أن معدلات البطالة في قطاع غزة تصل إلى 47%، ويعيش 80% من السكان تحت خط الفقر. وفي ظل هذه الأوضاع المأساوية، تثير حياة قادة “حماس” المترفة جدلًا كبيرًا وانتقادات حادة، خاصة عندما يُقارن ذلك بحياة الغزيين الذين يعانون من الحصار والبطالة والفقر.
من جهة أخرى، تبرز “حماس” دورها كحركة مقاومة تدافع عن حقوق الفلسطينيين وتدير قطاع غزة بموارد محدودة تحت الحصار الإسرائيلي. وتؤكد الحركة أنها تستخدم الموارد المتاحة لها لتعزيز قدراتها الدفاعية والعسكرية، وحماية قطاع غزة من الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة. كما تبرز “حماس” جهودها في تقديم الخدمات الأساسية لسكان غزة، بما في ذلك الصحة والتعليم والإغاثة الإنسانية، بالرغم من التحديات الاقتصادية والسياسية التي تواجهها.
وبينما تستمر الأوضاع في غزة بالتدهور، يبقى مستقبل المنطقة غامضًا ومعقدًا، في ظل استمرار الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، والضغوط الدولية على “حماس”، والأزمات الإنسانية التي يعاني منها السكان. من الواضح أن حياة قادة “حماس” تثير تساؤلات وانتقادات واسعة، لكن تبقى القضية الأهم هي كيفية تحسين أوضاع سكان غزة وضمان حقوقهم وحمايتهم في مواجهة التحديات المتزايدة.