العالم اليوم يواجه تحديات كبيرة في اتجاهه نحو اقتصاد مستدام، مع تزايد استخدام المواد والموارد العالمية، يبدو أن النمو الاقتصادي يبتعد عن النموذج المثالي حيث يتم القضاء على النفايات وتعزيز الأنشطة الاقتصادية التي تدعم البيئة والمجتمع في آن واحد، بالنظر إلى الوتيرة الحالية، من المرجح أن يتضاعف استخدام المواد العالمية بحلول عام 2060، مما يضاعف التحديات البيئية والاقتصادية التي تواجهنا.
من أجل مواجهة هذه التحديات، يتعين على الشركات تغيير طريقة عملها والتحول إلى نموذج جديد يحقق الاستدامة، لكن هذا التحول ليس بالأمر السهل، ويتطلب دعمًا للـ “رواد” — وهم نوع خاص من المبتكرين الذين يملكون القدرة على إحداث تغيير جذري في الصناعات وسلاسل القيمة بشكل عام، الرواد هم الذين يقودون التحول نحو الاقتصاد الدائري، ويعتمدون على استراتيجيات مبتكرة تمكنهم من تحقيق تأثير إيجابي ليس فقط على أعمالهم ولكن على البيئة والمجتمع بشكل واسع.
لماذا يختلف “الرواد” عن غيرهم؟
الرواد هم موضوع تقرير صادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي ومنظمة ScaleUpNation، ومن خلال الدراسة، تم تسليط الضوء على هؤلاء المبتكرين في الاقتصاد الدائري، الذين يمثلون فرصة اقتصادية ضخمة تقدر بحوالي 4.5 تريليون دولار من خلال خلق فرص عمل وتنمية اقتصادية، على الرغم من أن هذه الشركات تشبه إلى حد ما الشركات الناشئة سريعة النمو، إلا أن الفرق يكمن في قدرتها على تغيير الأنظمة الصناعية التقليدية.
الرواد هم شركات تمتلك حلاً قابلًا للتوسع، وقد وصلت إلى مرحلة النضج حيث يتراوح عمرها بين 3 و10 سنوات، وعدد موظفيها يتراوح بين 10 و100 موظف، مع نمو سنوي يصل إلى 20% أو أكثر، لكنهم يختلفون عن الشركات التقليدية في أنهم لا يسعون فقط للنجاح التجاري بل يعملون على تحقيق تأثير اجتماعي بيئي مستدام عبر التوسع في حلول اقتصادية دائرية.
استراتيجيات تأثير الرواد
1. سرد القصص من أجل التأثير
يستخدم الرواد السرد القصصي كأداة قوية لزيادة الوعي بالقضايا المجتمعية والبيئية التي يسعون لحلها، يبتكرون قصصًا ملهمة ومؤثرة تساهم في تغيير التصورات العامة وتحفيز الدعم الجماهيري، على سبيل المثال، تسعى شركة “فيرفون” الهولندية، المصنعة للهواتف الدائرية، إلى تشكيل صناعة إلكترونيات مستدامة، وتشارك قصص المغيرين من خلال المدونات، البودكاست، وورش العمل لبناء الوعي وتوجيه الاهتمام نحو القضايا الاجتماعية مثل رفاهية العمال وتقليل النفايات الإلكترونية.
2. وضع معايير أعلى
الرواد لا يقتصرون على تحسين معايير منتجاتهم فقط، بل يخلقون معايير جديدة في صناعاتهم، على سبيل المثال، لم تقتصر شركة “بوليماتيريا” على تطوير حل مبتكر للتعبئة البلاستيكية القابلة للتحلل، بل عملت مع المشرعين لضمان اعتماد حلها كمعيار رسمي في بريطانيا للتحلل البيولوجي، هذا النوع من التأثير يساهم في تغيير البيئة الصناعية بأكملها ويشجع الشركات الأخرى على تبني نفس المعايير.
3. مشاركة الأفكار
الرواد يدركون أن مشاركة ملكيتهم الفكرية بشكل مفتوح يمكن أن يساعد في تعزيز الحلول الدائرية، من خلال ترخيص المعرفة التقنية، تدريب الآخرين، أو حتى تقديم الأدوات مفتوحة المصدر، يمكنهم تسريع التحول إلى الاقتصاد الدائري في مختلف الصناعات، كمثال، أطلقت شركة “رابانوي” العلامة التجارية “تيميل”، التي تسمح لآلاف العلامات التجارية باستخدام نموذجها للإنتاج الدائري، مما يساهم في تقليل استهلاك المياه والانبعاثات في صناعة الأزياء.
4. بدء التعاون
الرواد يفهمون أنهم لا يمكنهم إحداث التغيير بمفردهم، لذلك، يعملون على بناء تحالفات مع مختلف الجهات، من صناع السياسات إلى الأكاديميين والخبراء الصناعيين، لدفع الابتكارات التكنولوجية والمعايير الجديدة، التحالفات مع الشركاء غير التقليديين، مثل الشركات الكبيرة والمنظمات غير الربحية، يمكن أن تسرع التغيير الصناعي في الاتجاه الصحيح.
5. التأثير على السياسات العامة
الرواد يعملون على التأثير في السياسات العامة لتسهيل الانتقال إلى الاقتصاد الدائري، يتعاونون مع الجهات الحكومية والمؤسسات الدولية لتشجيع التشريعات التي تدعم الممارسات الدائرية، مثل فرض ضرائب على الممارسات الضارة أو تقديم إعانات للممارسات البيئية المستدامة، على سبيل المثال، قامت شركة “أوتيرنوون” الأمريكية للملابس بحملة للضغط من أجل رسوم جمركية تفضيلية لاستخدام الألياف الدائرية، مما يظهر الوعي بأهمية السياسات الداعمة للتغيير النظامي.
رغم أن هذه الاستراتيجيات الخمس تقدم خارطة طريق قوية للرواد لتحقيق تأثير واسع النطاق، فإن النجاح ليس مضمونًا، فالكثير من الشركات الناشئة قد تتعثر في نموها، وبعضها قد لا يحقق التغيير المطلوب. لذلك، من الضروري دعم هؤلاء الرواد من خلال الاستثمارات التي تدرك المخاطر العالية والآفاق طويلة المدى لهذه الشركات، وتهدف إلى تعزيز التأثير الدائري عبر الصناعات.
لذا، في عالم ما بعد جائحة كوفيد-19، ستحتاج الاقتصادات إلى إعطاء الأولوية للرواد الذين يمتلكون القدرة على قيادة التحول إلى أسواق الغد، والأسواق التي ستعتمد على الابتكار الدائري لتحقيق استدامة اقتصادية وبيئية عالمية.
شاهد أيضاً:
كشف دور التكنولوجيا في ريادة الأعمال
5 من أهم مبادئ ريادة الأعمال للشركات الناشئة
أدوات لا غنى عنها لتحقيق النجاح في ريادة الأعمال